فصل: فصل تشريح العين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.فصل تشريح العين:

وكلامنا في هذا الفصل يشتمل على أربعة مباحث:

.البحث الأول أجزاء العين:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
فنقول قوة الإبصار ومادة الروح.
إلى قوله: أوسطها جليدية وهي.
الشرح:
لا شك أن الإبصار إما يكون بقوة باصرة وتلك القوة إنما تقوم بروح تحملها وتسمى الروح الباصرة.
وهذه القوة وهذه الروح هما من القوى والأرواح النفسانية.
فمبدؤهما لا محالة الدماغ وإنما يتم الإبصار بنفوذ تلك القوة وهذه الروح من الدماغ إلى العينين أو ما يقرب منهما فإن هذه القوة لو بقيت في الدماغ لكان إدراكها تخيلًا لا إبصارًا والقوى والأرواح إنما ينفذان من الدماغ إلى الأعضاء بتوسط العصب فلذلك لا بد للعين من عصب تنفذ فيه القوة الباصرة والروح الحاملة لها.
وقد بينا أن العين لا بد من أن تكون في أعلى مقدم البدن فلذلك العصب التي تأتي فيه القوة الباصرة والروح الباصر لا بد من أن يكون هو الزوج الأول من أزواج العصب الدماغي لأن هذا الزوج يتصل بالدماغ في مقدمه ومن ورائه يتصل بالأزواج الأخر.
وهذا الزوج يسمى العصب النوري لأن فيه النور الذي به الإبصار.
وقد عرفت هذا الزوج وكيفية نفوذه إلى العينين عند كلامنا في تشريح الأعصاب وعرفت أن هذا الزوج مع أنه للحس فإن نفوذه إلى العينين ليس على الاستقامة بل على تقاطع يسمى التقاطع الصليبي وإن اكثر المقصود بذلك أن تكون لهذه القوة الباصرة مكان تقف فيه مشترك بين العصبتين وذلك هو التجويف المجتمع من تجويفي كل فرد من هذا الزوج.
فقد عرفت أن هذا الزوج من خواصه أنه ذو تجويف ظاهر.
وإنما خالف بذلك ما في الأعصاب لأن النافذ من الأعصاب المدركة إلى الدماغ في باقي الأعصاب إنما هو هيئة انفعال تلك الأعضاء وذلك مما لا يحتاج فيه إلى أن يكون لحامل ذلك للانفعال مساحة يعتد بها فلذلك يكفي في نفوذ الروح الحاملة لذلك الانفعال التام الذي لا بد منها في الأعصاب بخلاف هذا الروح فإن النافذ من العينين إلى الدماغ إنما هو أشباح المرئيات وتلك الأشباح يحتاج حاملها لا محالة أن تكون له مساحة يعتد بها فلذلك لا يمكن نفوذه في مسام الأعصاب بدون فساد تلك الأشباح فلذلك يحتاج هذا العصب النوري أن يكون ذا تجويف ظاهر ينفذ فيه الروح البصري.
ومن تجويفي كل واحد من فرديه يحدث تجويف واحدد في وسط مسافة نفوذهما إلى العينين وفي ذلك التجويف مكان القوة الباصرة ولو كانت هذه القوة في عين واحدة لكان وجود الأخرى عبثًا ولو كان في كل قوة عين قوة باصرة لكان الشيء الواحد يرى بكل واحدة في العينين فكان الواحد يرى اثنين.
ولقائل أن يقول: لو كان الأمر كذلك لكان الشيء يسمع اثنين.
لأن كل واحدة من الأذنين فيها قوة سامعة فإن قوة السمع لو كانت واحدة وموضوعة في إحدى الأذنين لكانت خلقة الأذن الأخرى عبثًا.
ولو كانت هذه القوة في داخل تجويف الدماغ لكان الصوت يتخيل ولا يسمع كما قلتم في الإبصار.
وجوابه: إن الأمر في السمع ليس كما في الإبصار وذلك أن إدراك السمع هو من جنس إدراك اللمس.
وكما أن قوة اللمس متكثرة لأن هذه القوة في جميع الجلد وفي أكثر اللحم وفي الأغشية وغير ذلك.
ومعلوم أن هذه الأشياء ليست القوة التي فيها قوة واحدة بل كثيرة جدًّا فلذلك قوة السمع لا تمتنع عليها أن يكون متكثرة بخلاف قوة البصر.
وإنما قلنا إن قوة السمع من جنس قوة اللمس لأن إدراك قوة السمع إنما هو التموج الحاصل في الهواء الراكد في داخل الأذن النافع لتموج الهواء الحامل للصوت وإدراك هذا التموج هو بانفعال الحاسة عنه كما تنفعل حاسة اللمس عن الملموسات الحارة والباردة والخشنة ونحو ذلك وتحقيق الكلام في هذا وبسطه الأولى به في غير هذا الكتاب.
وهذا العصب النوري هولا محالة كباقي الأعصاب مغشى بغشائين: أحدهما: من الأم الجافية وهو الأعلى منهما.
والآخر من الأم الرقيقة فيكون لا محالة كثير العروق كما في تلك الأم فإذا بلغ هذا العصب مع الغشاءين المغشيين له إلى عظم الحجاج وهذا العظم الذي فيه نقرة العين انبسط طرف كل واحد من ذلك وانفرش بقدر سعة تلك النقرة ثم انضم طرفه وصار من مجموع ذلك العضو الذي يسمى المقلة.
قوله: اتسع طرف كل واحد منها وامتلأ وانبسط واتسع اتساعًا يحيط بالرطوبات التي في الحدقة.
يريد بقوله: وامتلأ وغلظ وسمن. وما أشبه ذلك.
وذلك لأن طبقات العين أكثرها أغلظ من كل واحد من الغشاءين اللذين على العصب النوري.
وقوله: يحيط بالرطوبات المشهور أن هذا الاتساع يقدر قدر الرطوبات التي في المقلة حتى تكون الطبقة الحادثة من جرم العصب مشتملة على الرطوبة الجليدية اشتمال الشبكة على الصيد وهذا لا يصح فإن مقدار الرطوبات أصغر كثيرًا من المقلة ولو كانت الطبقة معها كما قالوه لزم أن تكون المقلة أصغر مما هي عليه وأصغر من نقرة العين فلم تكن المقلة ملتصقة بالعظم بل مسربة عنه. وليس كذلك.
بل الحق أن اتساع العصب مع الأغشية بقدر نقرة العين وتبقى الرطوبات في الوسط مائلة عن ثقب العصب النوري إلى جهة الموق الأكبر ولو كانت هذه الرطوبات مالئة لتجويف العصب النوري لكانت سادة له فكان يمنع نفوذ الروح إلى المقلة ومن المقلة إلى أمام القوة الباصرة فكان الإبصار يتعذر كما يتعذر لسدة أخرى تقع في هذا العصب.
وقوله: التي في الحدقة.
المعروف من الاصطلاح أن العين هي مجموعة المقلة مع الأجفان وأن الحدقة هي الوضع الذي فيه الثقب العيني وأن سوى الأجفان من العين هو المقلة.
وها هنا يريد بالحدقة المقلة وله أن يصطلح على ذلك ولكنه كان ينبغي أن نبين هذا الاصطلاح أو لًا لنفهم المراد من كلامه ولا يحمل على المعنى المشهور. والله ولي التوفيق.

.البحث الثاني رطوبات العين:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
التي أوسطها الجليدية وهي رطوبة.
إلى قوله: ثم إن طرف العصبة تحتوي على الزجاجية والجليدية.
الشرح:
إن العين يجب أن يشتمل على رطوبات ثلاث.
أما عندهم فلأن الإبصار على قولهم إنما يتم بوقوع الأشباح على الجليدية وهذه الجليدية مستعدة جدًّا لسرعة التحلل فلا بد لنا من جسم يمدها بالغذاء لتخلف بدل المتحلل منها فلا يفنى بسرعة وذلك الجسم لا يمكن أن يكون دمًا باقيًا على لو نه وإلا كانت هذه الرطوبة تعجز عن إحالته بسرعة إلى طبيعتها فكانت تقل جدًّا قبل تمكنها من إحالة ما يقوم لها بدل المتحلل فلذلك احتيج أن يستحيل هذا الدم إلى مشابهتها بعض الاستحالة حتى تصير مقتدرة على أخذ الغذاء منه بسهولة ولون هذه الرطوبة مع صفائه وبريقه أبيض فلذلك إنما يصير الدم شبيهًا بها بوجه ما إذا استحال عن حمرته بعض الاستحالة فلذلك يصير لو نه بين البياض والحمرة وذلك هو لون الزجاج الذائب فلذلك الدم يصل إلى هذه الرطوبة ليغذوها يجب أن يكون كذلك ولذلك تسمى بالرطوبة الزجاجية ثم إن الجليدية إذا أبعدت من هذه الرطوبة وإحالتها إلى طبيعتها فلا بد من أن تفضل منها فضلة وتلك الفضلة تكون لا محالة قد ازدادت بإحالة الرطوبة الجليدية لها صفاءً وبياضًا فلذلك يكون كبياض البيض.
وحينئذٍ تدفع تلك الجليدية تلك الفضلة إلى أمامها فيكون من ذلك الرطوبة البيضية فلذلك لا بد في العين من هذه الرطوبات الثلاث. فهذا مذهبهم في هذه الرطوبات مع تقديرنا له.
وأما عندنا: فإن أشباح المرئيات ليست تقع على الرطوبة الجليدية فإن الشبح إنما يقع على جسم إذا كان ذلك الجسم لا يحول بينه وبين ذي الشبح جسم ملون بل يكون ذلك الجسم مكشوفًا ولذلك فإن المرآة إذا غطيت بجسم ملون فإنه لا يقع عليها شبح البتة.
وهذه الرطوبة الجليدية مغطاة ومحجوبة من قدامها بجسم شديد السواد فكذلك يستحيل أن تقع عليها شبح المرئيات وذلك الجسم المغطى للجليدية هو الجسم الأسود الذي يشاهد أمامها ولولاه لشوهدت للناظر في العين فكانت ترى على لو نها الذي هو بياض مع صفار فلذلك الشبح عندنا إنما يقع على ذلك الجسم الذي يرى أسود وذلك الجسم هو الروح الذي يتأدى فيه الشبح إلى أمام القوة الباصرة ويسمى الروح المؤدي فلذلك الحاجة عندنا إلى الرطوبات التي في العين ليس ليقع الشبح على شيء منها بل ليكون داخل العين كثير الرطوبة حتى يكون في مزاجه قريبًا من مزاج الدماغ.
فلذلك إذا حصلت الروح فيه لم تتغير عن مزاجها وهي في الدماغ بل يكون فيه كما هي في الدماغ فلذلك إذا وقع عليه شبح ثم انتقل ذلك الشبح إلى الدماغ بقي ذلك الشبح على حاله لأجل بقاء الروح على حالتها ولا كذلك لو عرض لهذه الأرواح في الدماغ تغير عن حالتها وهي في العين لكان الشبح الذي فيها يعرض له حينئذٍ تغير.
فكان الشيء يتخيل على خلاف ما رئي فلذلك احتيج أن يكون داخل العين مثل داخل الدماغ في أنه كثير الرطوبة وطبقات العين كلها مائلة إلى اليبوسية فلذلك إنما يكون داخلها كثير الرطوبة إذا كانت مشتملة على رطوبة كثيرة.
ويجب أن تكون هذه الرطوبة نيرة صافية فإن ذلك أعون على الإبصار فلذلك احتيج أن يكون في داخل العين هذه الرطوبة الجليدية ويجب أن يغتذي فيجب أن يكون وراءها الرطوبة الزجاجية ولأنها لا بدلها من فضله ليجب أن يكون قدامها الرطوبة البيضية لما مر تقريره.
قوله: وقد فرطحت ليكون المتشبح فيها أو فر مقدارًا إما أن الرطوبة الجليدية فيها أن تكون مستديرة فلأنها جسم متشابه الأجزاء فليس بعضه بأن يكون زاوية أو بشكل آخر أولى من الآخر فلذلك لا بد من أن تكون شكلها متشابه الأجزاء.
والشكل الذي هو كذلك في المسطحات هو الدائرة وفي المجسمات هو الكرة هذا إذا لم يكن أمر يحوج إلى شكل آخر غير طبيعي لذلك الجسم.
وها هنا كذلك فإنه لا موجب لتغير هذه عن الكرية إلا بتسطح ظاهرها وعلة ذلك التسطيح أما عند من يقول إن وقوع الشبح هو في الجليدية فهو أن يكون مقدار الشبح فيها على المقدار الذي ينبغي أن يكون عليه ليكون المرئي كذلك فإن الشبح الواقع في جسم كري يكون أصغر من المقدار الذي يستحقه ولذلك ترى المصورة في المرآة المحدبة الصغيرة والشبح الواقع في جسم مقعر يكون أعظم من القدر الذي يستحقه ولذلك ترى الصورة في المرآة المقعرة كبيرة وأما الشبح الواقع في السطح المستوي فإنه يكون على المقدار الذي يستحق بحسب رأي الشيخ.
هذا عندما نقول إن وقوع الشبح هو في الرطوبة الجليدية.
وأما على رأينا: وهو أن وقوع الشبح هو في الروح المشاهد في الحدقة فإن فائدة تسطح الرطوبة الجليدية من قدام هو أن يكون ذلك الموضع مستوي الوضع فيكون للروح الانبساط عليه جميعه.
وإن كانت تلك الروح يسيرة فقد لا يزيد على المقدار الذي ولا كذلك إذا كان الموضع محدبًا فإنه حينئذٍ كان يكون وسطه ناتئًا.
فإذا كانت الروح يسيرة فقد لا يزيد على المقدار الذي يملأ ما يحيط بذلك الوسط الناقىء حتى ينبسط على ذلك الناقىء فيبقى وسط الحدقة خاليًا من الروح فلا يقع عليه شبح فهذا ما نذكره ها هنا من سبب هذا التسطيح على رأينا وعلى الرأي المشهور.
وأما قوله: ليكون المتشبح فيها أو فر مقدارًا فهذا لا يصح فإن المقصود ليس أن يكون الشبح أكثر ما يستحقه بل أن يكون على ذلك المقدار.
قوله: هو أن يتدرج حمل الضوء على الجليدية يريدان الضوء القوى يؤذي الجليدية بفرط تحليله.
فلذلك وضعت الرطوبة البيضية أمامها ليقل ما يصل إليها من ذلك الضوء ويريد بذلك الضوء الحامل للشبح وهذا إنما يصح على قول من يقول: إن وقوع الأشباح هو على الرطوبة الجليدية. ونحن قد أبطلناه فلذلك يكون هذا السبب المذكور باطلًا. والله ولي التوفيق.